نذكر فيما يلي طائفة أخرى من الأحاديث المروية في صحيحي
البخاري ومسلم عن غير طريق أبي هريرة ، والمستحقة للنظر والتساؤل :
1 ) عن عائشة قال : ( جاءت سهلة بنت سهيل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقالت : يا رسول الله ، أرى في وجه أبي حذيفة من دخول سالم - وهو حليفه أو خادمه - فقال النبي :
أرضعيه . قالت وكيف أرضعه وهو رجل كبير - وقد شهد بدرا " على حسب رواية أخرى ( 5 ) . وفي ثالثة كان قولها : أنه ذو لحية ( 6 ) -
( 5 ) صحيح مسلم ، كتاب الرضاع ، حكم رضاعة الكبير ، ج 3 ص 633 .
( 6 ) المصدر نفسه ، ص 635 . ( * )
- ص 221 -
فتبسم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقال : قد علمت أنه رجل كبير ) ( 1 ) .
وفي ألفاظ أخرى قالت عائشة : ( فقالت سهلة : أن سالما " قد بلغ ما بلغ الرجال وعقل ما عقلوا وأنه يدخل علينا وإني لأظن أن في نفس أبي حذيفة من ذلك شيئا " . فقال لها النبي
صلى الله عليه وآله وسلم : أرضعيه تحرمي عليه ويذهب الذي في نفس أبي حذيفة . فرجعت فقال : إني قد أرضعته فذهب الذي في نفس أبي حذيفة ) ( 2 ) .
ويقول النووي في شرحه وتبريره لهذا الحديث الغريب الذي أخرجه مسلم في صحيحه تحت باب رضاع الرجل الكبير : ( قال القاضي في قوله صلى الله عليه وآله وسلم أرضعيه : لعلها
حلبته ( ! ) ثم شربه من غير أن يمس ثديها ، ولا التقت بشرتاهما . وهذا الذي قاله القاضي حسن . ويحتمل أنه عفى عن مسه للحاجة كما خص بالرضاعة مع الكبر ، والله أعلم ) ( 3 ) ! ! .
2 ) عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال بشأن اليوم الآخر والوقوف للحساب : ( . . . فيتساقطون ( الكفار ) حتى يبقى من كان يعبد الله من بر أو فاجر
، فيقال لهم : ما يحبسكم وقد ذهب الناس ؟ فيقولون : فارقناهم ونحن أحوج منا إليه اليوم ، وإنا سمعنا مناديا " ليلحق كل قوم بما كانوا يعبدون ، وإنما ننتظر ربنا . قال : فيأتيهم الجبار
في صورة غير صورته التي رأوه فيها أول مرة ، فيقول : أنا ربكم . فيقولون : أنت ربنا ! فلا يكلمه إلا الأنبياء . فيقول : هل بينكم وبينه آية تعرفونه بها ! فيقولون : الساق . فيكشف عن ساقه ، فيسجد له كل مؤمن ) ( 4 ) .
3 ) عن جرير أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : ( . . . إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر ، لا تضامون في رؤيته ) ( 5 ) .
( 1 ) المصدر نفسه ، ص 633 .
( 2 ) المصدر نفسه ، ص 634 .
( 3 ) المصدر نفسه ، بشرح النووي ، ص 634 .
( 4 ) صحيح البخاري ، كتاب التوحيد ، باب وجوه يومئذ ناضرة ، ج 9 ص 396 .
( 5 ) المصدر نفسه ، كتاب التفسير ، باب قوله - فسبح بحمد ربك - ، ج 6 ص 355 . ( * )
- ص 222 -
ومما يذكر أن عائشة قد استنكرت إمكانية رؤية الله عندما سألها أحد الصحابة قائلا " : يا أمتاه ، هل رأى محمد ربه ؟ فقالت له : لقد قف شعري مما قلت ( 1 ) . وقرأت : ( لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار ) [ الأنعام / 103 ] .
وأما من يتوهم إمكانية رؤية الله من قوله تعالى
وجوه يومئذ ناضرة ينبغي إلى ربها ناظرة ) [ القيامة / 22 ] ، فهو تفسير خاطئ ، لأن كلمة ناظرة ينبغي تأويلها على الانتظار وليس
هي بمعنى النظر ، وهذا مثل قوله تعالى : ( واسأل القرية التي كنا فيها ) [ يوسف / 82 ] ، بمعنى اسأل أهل القرية .
وهكذا ينبغي تأويل كل آية يدل ظاهرها على أن الله جسما " أو يدا " أو وجها " أو ساقا " أو غير ذلك .
4 ) عن عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : ( إذا طلع حاجب الشمس فدعوا الصلاة حتى تبرز . . . فإنها تطلع بين قرني شيطان ) ( 2 ) .
وأما عن غروب الشمس فيروى أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لأبي ذر حين غربت الشمس : أتدري أين تذهب ؟ فقال أبو ذر : الله ورسوله أعلم . قال : ( فإنها تذهب حتى تسجد
تحت العرش فتستأذن فيؤذن لها ، وتوشك أن تسجد فلا يؤذن لها ، فيقال : ارجعي من حيث جئت ، فتطلع من مغربها ، فذلك قوله تعالى : ( والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم ) [ يسين / 38 ] ) ( 3 ) .
5 ) وأما فيمن لا يقومون لصلاة الصبح ، فقد روي عن عبد الله قال : ( ذكر عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم رجل فقيل : ما زال نائما " حتى أصبح ما قام إلى الصلاة . فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : بال الشيطان في أذنه ) ( 4 ) .
( 1 ) المصدر نفسه ، باب سورة النجم ، ص 359 .
( 2 ) صحيح البخاري ، كتاب بدء الخلق ، باب صفة إبليس وجنوده ، ج 4 ص 319 .
( 3 ) صحيح البخاري ، كتاب بدء الخلق ، باب صفة الشمس والقمر بحسبان ، ج 4 ص 382 .
( 4 ) المصدر نفسه ، كتاب التهجد ، ج 2 ص 135 . ( * )
- ص 223 -
وأخيرا " ، بقي أن نذكر أن كل هذه الروايات هي مما أخرجه الشيخان البخاري ومسلم في صحيحيهما ، وللمكانة التي يحتلها كتاباهما عند جمهور عريض من المسلمين ، فإنه يلزم
تعريفا " مختصرا " بهما : فالشيخ محمد بن إسماعيل البخاري يقول : ( لم أخرج في هذا الكتاب إلا صحيحا " وما تركت من الصحيح أكثر ) ( 1 ) .
ويقول أيضا " : ( خرجت الصحيح من 600 ألف حديث ) ( 2 ) .
ويذكر أن عدد الأحاديث المصنفة في كتاب البخاري هذا تراوح 600 ، 2 حديث ، وقد صنفها في مطلع القرن الهجري الثالث .
ويقول الشيخ يحيى بن شرف النووي الشارح على صحيح مسلم
اتفق العلماء ( رحمهم الله ) على أن أصح الكتب بعد القرآن العزيز الصحيحان : البخاري ومسلم وتلقتهما الأمة بالقبول ، وكتاب البخاري أصحهما ) ( 3 ) .
وأما الشيخ مسلم بن الحجاج النيسابوري والذي كان معاصرا " للشيخ البخاري فقد قال : ( صنفت هذا المسند الصحيح من 300 ألف حديث مسموعة ) ( 4 ) .
وقد ذكر علماء الحديث أحيانا " ما يشبه الأساطير حول تشدد هذين الشيخين في قبول الرواية وتوثيقها ، إلى الحد الذي أهلهما ليكونا موضع إعجاب جمهور أهل السنة والجماعة على مر القرون .
وأما كتب الحديث عند الشيعة فالرئيسية منها أربعة هي : الكافي ، من لا يحضره الفقيه ، الإستبصار ، التهذيب . ولكن علماء الشيعة لا يعدون جميع الأحاديث المخرجة في أي من هذه الكتب الصحيحة ، بل يقولون إن فيها الغث
( 1 ) ابن حجر في مقدمة شرحه على صحيح البخاري ج 1 ، ص 5 ، ط دار إحياء التراث العربي ، بيروت .
( 2 ) المصدر نفسه .
( 3 ) النووي في مقدمة شرحه على صحيح مسلم ، ج 1 ص 10 ، ط دار الشعب ، القاهرة .
( 4 ) المصدر نفسه ، ص 11 . ( * )
- ص 224 -
والسمين ، كلها يجب إخضاعها لمقاييس الصحة والتوثيق ، ولا يرون بإمكانية وجود أي كتاب يوضع قبال أو عدل لكتاب الله في الصحة والتوثيق .
ويقول غالبية علماء الشيعة أن الأحاديث الضعيفة في كتاب الكافي - وهو أشهر كتب الحديث عندهم - أكثر من الأحاديث الصحيحة .